ما قبل النهاية-رازي الأسود
أَشْعُر بِأَنّ كُل شَيْءٍ سَيَنْتهِي هُنَا ،كَمَا لَو أَنّ جَسَدي يَقْتَرحُ لِي خَاتِمةً تَشُوبُها الأَوهامُ و الأَوْتَارُ المَقْطُوعة .أَشْعُر بِذَلكَ فِي ما يُحِيطُ بِعَيْنَيّ مِن نُورٍ قَاتِلٍ وَ أَشْبَاحٍ سَاخِرة ،كُلّها تَلْتَقِي فِي ذَلك القُطْر الضَيّق مِن البَياضِ وَ تُشْعِل مِنْ مُخَيّلتي جُزْءًا تَقْتَطِعُه مِنْهَا بِعُنفٍ .لَطَالمَا كَانَ يُراوِدُنِي هَذَا الشُعُور عِنْدَما أَكْتُب هَذِه النُصُوص التِي تَظّلُ -عَلى تَواضُعِها- تَلْتَهِمُ مَشَاعِري كُلّ يَوْمٍ ،وَ تَسْرِقُ مِنْ قَلْبِي الحَيَاة لِتُشّعَ هِي فِي جَمالِ الأُفُق اللامُتَناهِي .هَذا الشُعُور: شُعور النِهايَة ،يَخْطِف أَنْفاسِي كُلّما أَمْسَكْتُ القَلم ،لَعَلّ النُصُوص هِي الأَشْباح ،وَ لَعَلّ البَياض هُو الأُفُق الذِي اِحٍتَضَنَتْهُ كَلِمَاتِي،وَ لَرُّبَمَا سَتَأْتي تِلك النِهايَة وَ تتَسّربُ إِلى أَنْفَاسِي البَارِدَة ..رُبما .
لَسْتُ أَدْري مُنْذُ مَتَى رَاوَدَنِي هَذا الخَوْفُ المُرْعِب من السُطُور التِي تَرْتَوي بِالحُروفِ وَ الأَشْكَالِ ؟ وَ إِلَى مَتى سَيَظّلُ الظَلاَم مُرافِقًا لِخَيَالي وَ لِنُصُوصِي ؟ لَرّبَمَا هِي صِفةٌ حَمَلَها لَقَبِي ،لَكِن مَا أَعْرِفُهُ حَقا أَنّ النِهايَة لَنْ تَكُون مَا تَحْمِلُه خَواطِري المُدّمِرة مِنْ يَأْسٍ وَ عَذَابٍ .سَيَرْتَفِعُ خَيْطٌ رَفِيعٌ مِن السَماء لِيَرْبِطَ رُوحِي بِزُرقَة السَمَاء المُحَرّرة وَ يَغْمُر جَسَدي الجَاف بِدِفْء الشَمْس وَ ضِياءِها الذِي لاَ يُقَاوَمُ ،سَيَأْتِي الفَرحُ إلَى أَيَامِي بِشَكلٍ مُخْتَلِفٍ ،عَلَيّ فَقَطْ أَنْ أُؤْمِن بِذَلِك ،أَنْ أُحَطّم تِلْك القُيُود التِي مَسَحَتْ بِدُمُوعِي تُرابَ الأَرْضِ .عَلَيّ أَنْ أُلَمْلِم تِلكَ الأَجْزَاء المَفْقُودَة فِي قَلْبِي ،أَنْ أَجْمَعَهَا مِن أَعْمَاقِ الحُزْن وَ الفَوْضَى .عَلَيّ أَنْ أُجّمَع نَفْسي ، أَن أَحْتَرِق فِي تِلك النِيران الأُسْطُورِيّة وَ أَتَشّكَل مِن جَدِيد وَ أَعِيش كَقِصَةٍ لاَ تَنْتَهِي .هَذَا هُو المَصِير الذِي يَجبُ أَنْ تَتْبَعَه نُصُوصِي ،وَ أَنَا ، وَكُلّ العَالم .سَنَفْرحُ جَمِيعًا وَ نَجْعَلُ لِغِبْطَتنَا عِيدًا يَكسِر عَقَارب السَاعَة وَ يُحَطّم قُيُود الزَمَن .سَأبْتَسمُ لأُولَئِك الصِبْية الذِين يَلْعَبُون في حَيّنَا ، وَ أُلْقِي التحيَة عَلى تِلْك المَرْأَة المُكَافِحة التِي تَسَللَ التَعَبُ إِلى مَلاَمِحِهَا وَ مَع ذَلِك لاَ تُفَارِقُ نَظَراتهَا تِلْك الحَرارةُ وَهِي تُراقِب أَطفَالَها يَتجِهُون إِلى المَدْرسةِ وَ سَأَمّرُ عَلى الشَوَارع التِي رَسَمْتُ فِيهَا أُولَى حِكَايَاتِي وَ قَابَلْتُ فِيهَا أصْدِقَائِي الذِين لَم يَتْرُكُونِي أَعِيشُ الوِحْدَة فِي مَحَطَات الحَياة القَاسيَة ،سَأَشْكُر أَسَاتِذتِي الذِين كانُوا جُزْءًا لاَ يَتَجَزَأُ مِن عَائِلَتِي ،وَ أَخِيرًا أُمّي لَكِ هَذا النّصُ .
”أَ تَذْكُرين يَا أُمّي لَمّا قُلت لَك :” يَا أُمّي نحس فيك بعيدة علي ، شبينا مناش كي العادة ؟” وَ نَزَلَ الدَمْع ، لسْتُ أَدْري حَقّا مَنْ نَذَر نَفْسهُ أَكْثر للدَمْع فِي تِلكَ اللَيْلَة ، كُنّا نَفْهَمُ وَ نُدْركُ مَعًا مَع مُرورِ الوَقْت أَنّنا نَحْمل قَلْبًا وَاحِدًا وَ أَنّ مَا أَرَاهُ فِيكِ مِن اِنْكِسارٍ لَمّا رحَلتِ جَعَلَنِي أَعْتَصِرُ المَرارة فِي قَلْبي لأَرْسُم تِلك الإِبْتِسَامَة كُل يَومٍ وَ قَدْ صِرتُ أَفْشَل فِي إِخْفَاء أَلَمي أمَامكِ لَمّا تَأْتِين لِزِيارتِي كُل لَيلةٍ ،لاَزَمْتُ الفِراشَ أَيَامًا مُتتَالِية بَعد مَا حَصل ،وَ مُنْذ ذَلك الحِين لمْ تُعُودِي لزِيارتِي فِي مَمْلكَة الأَحْلامِ ،ٱسِفْت كَثِيرًا لأَنَ الأَحْلامَ تُفْلتُ مِنَا دَائِمًا وَ نَجِدُ أَنْفُسنَا أَمَام أَلْغَازٍ لاَ تُكْتَمل عِنْدَما نُواجِه الأَحْلام ،أُمّي أَنا حَقًا أَشْعُر بِأَنَكِ ابْتَعَدْتِ ،لأَن الأُمُور تَخْتَلِف في الأَحْلامِ عَلى مَا هِي فِي الوَاقِع :الحُضْن لَيس هُو نَفْسه ،وَ لاَ القُبلة كَذَلك ،حَتَى أَنَ مَلامِحكِ فِي ذَاكِرتِي اخْتَلطَتْ ،لِذَلك أَدْركْت بِقَلْبنَا أَنّ الوَقْت حَان حَقا لتتَحَرَري مِن سِجْن ذِكْرِياتِي ،سَتَظّلينَ فِي رِحَابِ عَقْلِي بِرقَتِك وَ كَلامِك الذِي لاَ يفَارقُ أُذُنَيّ .”
أَنَا بِخَيْرٍ الٱن ،عَانِقِي السَمَاء كَطَيْرٍ حُرٍّ وَ ٱتْرُكِي الأَرْض .أَشْكُركِ وَ أُحِبّك .
سجل اعجابك رجاءً و شارك الموضوع :
نصوص مرتبطة
اترك تعليقًا