أوائل تمثّلات خلق الفلسفة العربيّة من صدر الإسلام و راهنية الفعل اللغوّي .
بقلم :محمّد حرّاثي
الفلسفة العربية بدأت من نقطة خلاف بين النحويين البصريين وبين الكوفيين, وكان الخلاف في بداية الأمر يتعلق بمشكلة التنازع بين أكثر من فاعل على مفعول به واحد .
“هل يجوز أن يجتمع فاعلان على مفعول به واحدٍ؟.”
فان كان الجواب بنعم، ذلك يعني إجازة أن لا يكون للكون إلاّ خالقٌ واحد, وهو الذي خلق كل شيءٍ .
أما إذا كان الجواب في مسألة التنازع بين أكثر من فاعلٍ على مفعول به واحد فإنَّ هذا يعني أن للكون أكثر من خالقٍ، و من هذا المنطلق إنطلق النحويون و علماء الكلام في مسائل أخرى متعلقة بالفاعل الغائب أو المُظمر.
تطورت هذه المشكلة إلى مشكلة أدهى و أمرّ من سابقتها حين وقع الخلاف بين الإمام الشافعي و تلامذة أبي حنيفة النعمان و على رأسهم أبو يوسف الوريث الشرعي للمذهب الحنفي.. و القصة كالتالي؛
إلتقى الإمام الشافعي بتلامذة أبي حنيفة النعمان و طارحهم :
” أنا أتفق معكم في كثير من المسائل و أختلف معكم في مسائل عدّة.”
فقالوا له :” دعك من الإتفاق و لننظر إلى نقاط الخلاف بيننا” . فأجاب :
“إنكم تقولون أنه من الجائز أن يكون الإنسان المؤمن فاعلاً للخير، و أنكم تقولون بإجازة الإنسان لعمل الخير و هو على قدرٍ أجوفٍ من الإيمان ؟ فما دليلكم على ذلك؟”
“إنّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات”. و الواو هنا هي واو الفصل و ليس العطف, بما معناه :”إنّ الذين آمنوا” جملة مستقلة و الذين عملوا الصالحات جملة أخرى . فقال لهم:
” و ﷲ إن صحّ قولكم فإنه على هذا المبدأ يجوز أن يكون للكون أكثر من خالق!”..
فقالوا له :” و ما دليلكم يا إمام ؟”
” ربّ المشرقيين و ربّ المغربين فبأيِ آلاء ربّكما تكذبان “.
و لو كانت الواو واو فصلِ جملة عن جملة لأصبح للمشرق ربٌّ و للمغرب ربٌّ . فسكت تلامذة أبي حنيفة عن الجواب و المشافهة.
من هنا تشكلت مدرسة ظاهريّة متمثلة بالكوفيِين و مدرسة غير ظاهريّة تتمثّل بالبصرِيين .
سجل اعجابك رجاءً و شارك الموضوع :
نصوص مرتبطة
اترك تعليقًا